المشاركات الشائعة

الأربعاء، 8 يونيو 2011

أحوال طلبة العلم ... لحجة الاسلام الغزالي



واعلم أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال

-        رجلٌ طلب العلم ليتخذه زاده إلى المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.
-        ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال، وهو عالمٌ بذلك، مستشعرٌ في قلب ركاكه حاله وخِسَّةَ مقصِدِه، فهذا من المخاطرين. فإن عاجله أجله قبل التوبة خيفَ عليه من سوء الخاتمة، وبقي أمره في خطر المشيئة؛ وإن وُفِّقَ للتوبة قبل حلول الأجل، وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرط منه من الخَلل - التحق بالفائزين، فإن التائبَ من الذنب كمن لا ذنب له.
-        ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان؛ فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كلَّ مُدْخَل رجاء أن يقضى من الدنيا وطره، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة، لاتسامِهِ بسِمَةِ العلماءِ، وترَسُّمه برسومهم في الزِّى والمنطِق، مع تكالبه على الدنيا ظاهراً وباطناً.. فهذا من الهالكين، ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنِّه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى (يَأيُها الَّذين آمنوا لِمَ تَقولونَ مالا تَفعَلون). وهو ممن قال فيهم رسول الله: (أنا من غير الدجال أخوَف عليكم من الدجال) فقيل: وما هو يارسول الله؟، فقال: (علماء السوء). وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالِم وإن صَرَفَ الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله، ولسان الحال أفصَحُ من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدى في الأعمال أميَلُ منها إلى المتابعة في الأقوال؛ فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله، إذ لا يستجرىء الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا باستجراء العلماء، فقد صار علمه سببا لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه الجاهلة مذلة مع ذلك تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه، وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.
فكن أيها الطالب من الفريق الأول، واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مُسَوِّفٍ عاجَلَهُ الأجل قبل التوبة فخسر، وإيّاك ثم إيّاك أن تكون من الفريق الثالث، فتهلك هلاكا لا يُرجى معه فلاحك، ولا يُنتظر صلاحك.

حجة الإسلام: الامام الغزالي – عن كتابه بداية الهداية

هناك تعليقان (2):