المشاركات الشائعة

الخميس، 6 يناير 2011

الحركة الاسلامية والعمل النسوي ..بقلم الدكتور القرضاوي

خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس يقبل رأس الشيخ القرضاوي



قد اهتمت الحركة الإسلامية بالمرأة منذ فجر الدعوة، وأنشأ الإمام حسن البنا (قسم الأخوات المسلمات ) ليقوم بدوره في نشر الفكرة بين المسلمات، وتربية جيل منهن يحمل العبء مع الرجال من (الإخوان المسلمين ) في التمكين لدين الله في الأرض. وقد قام القسم بدوره إلى حد لا بأس به، وكان للأخوات نصيبهن في أيام المحن، وخصوصاً في رعاية أسر المسجونين والمعتقلين وإيصال المعونات إليها، على ما في ذلك من خطر يتهددهن من رجال (المباحث )، ومنهن من قاست ما قاست في سبيل الله مثل الأخت زينب الغزالي.
قصور العمل الإسلامي النسوي عن المستوى المنشود: ولكن يجب أن نعترف بأن العمل النسائي لم يبلغ إلى المستوى الذي ينبغي أن يصل إليه، وإن انتشرت الدعوة ص النساء، ولا سيما الطالبات في الجامعات والثانويات. فلم تظهر إلى اليوم- برغم مرور ستين عاما على الحركة- قيادات إسلامية نسائية قادرة -وحدها- على مواجهة التيارات العلمانية والماركسية بكفاية واقتدار. وذلك لأن الرجال يحاولون دائماً أن يسيطروا على توجيه النساء, ولا يدعون لهن الفرصة الكافية للتعبير عن أنفسهن، وبروز المواهب والقدرات النسائية الخاصة لتقود العمل بمعزل عن تحكم الرجال. 



متى ينجح العمل الإسلامي في مجال المرأة :
ورأيي أن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية, في ميادين الدعوة والفكر, والعلم والأدب والتربية. وما أحسب هذا بالأمر المتعسر و المتعذر، ففي الأخوات نوابغ وعبقريات مثل الرجال، وليس النبوغ من صفات الذكور وحدهم, وليس عبثًا أن يقص علينا القرآن قصة إمرة قادت الرجال بحكمة وشجاعة، انتهت بقومها إلى أفضل عاقبة، وتلك هي ملكة سبأ التي حدثتنا عنها سورة النمل في قصتها مع سليمان عليه السلام. وقد رأيت في جامعة قطر البنات أكثر تفوقاً من البنين, وهذا ما لاحظه غيري من أساتذة الجامعة, وبخاصة أن البنات أكثر تفرغاً للعلم من الذكور الذين تشغلهم أشياء كثيرة, وعندهم سياراتهم التي يستقلونها ليذهبوا بها هنا وهناك.
تسرب الأفكار المتشددة إلى هذا المجال: وأود أن أقول هنا بصراحة: إن العمل الإسلامي قد تسربت إليه أفكار متشددة غدت هي التي تحكم العلاقة بين الرجال والنساء, وتأخذ بأشد الأقوال تضييقاً في هذه المسألة. وهذا ما لاحظته في كثير من المؤتمرات والندوات, حتى في أوروبا وأمريكا ففي أواسط السبعينات ظللت أحضر لعدة سنوات المؤتمرات السنوية لاتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا، وكان يحضر الإخوة والأخوات، ويشهد الجميع المحاضرات والندوات العامة, ويسمعن التعليقات والأسئلة والأجوبة والمناقشات حول القضايا الإسلامية الكبيرة: فكرية وعلمية واجتماعية وتربوية وسياسية إلا حلقات فقهية خاصة تعقد للنساء للإجابة عن تساؤلات محاصة عندهن. ولكني في الثمانينات حضرت عددأ من المؤتمرات في أمريكا وأوروبا, فوجدت فصلاً تاما بين الجنسين, ووجدت الأخوات يحرمن من قسم كبير ومهم من المحاضرات والمناقشات والندوات التي تعقد عند الرجال, وقد شكا إلي بعض الأخوات مللهن من المحاضرات التي تدور كلها حول قضايا المرأة وحقوقها وواجباتها ومكانتها في الإسلام، وهي قضايا تكررت حتى صبح الحضور لسماعها كأنه عقوبة!! وقد أنكرت هذا في أكثر من مؤتمر حضرته, وقلت: إن الأصل في العبادة ودروس العلم هو الاشتراك, ولم يعرف في تاريخ الإسلام مجد للنساء وحدهن مستقلاً عن الرجال.
وقد كان النساء يشهدن الدروس النبوية- كما يشهدن الجمعة والجماعة والعيدين- مع الرجال، ويسألن في أخص الأمور المتعلقة بالمرأة, ولم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين, كما قالت عائشة رضي الله عنها. وكتب السنة حافلة بكثير من الأسئلة التي وجهت من النساء إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-, ومنهن من سألت نفسها ومنهن من سألت باسم بنات جنسها، قائلة: أنا وافدة النساء لم إليك يا رسول الله. وقد طلبن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل لهن يوما خاصاً, ينفردن به دون الرجال, ليكون لهن فسحة من الوقت والحرية, ليسألن عما يشأن دون حرج من آبائهن و إخوانهن أو أزواجهن, و غيرهم من الرجال. وهذه مزيّة أضيفت لهن إلى جنب الدروس العامة التي يشتركن فيها مع الرجال.

مشكلة العمل الإسلامي النسوي وكيف تحل: مشكلة العمل الإسلامي النسوي: أن الرجال هم الذين يقودونه, ويوجهون ويحرصون على أن يظل زمامه بأيديهم فلا يدعون فرصة للزهرات أن تتفح ولا للقيادات أن تبرز، لأنهم يفرضون أنفسهم فرضاً, حتى على الاجتماعات النسوية, مستغلين حياء الفتيات المسلمات الملتزمات, فيكتمون أنفاسهن ولا يتيحون لهن قيادة أمورهن بأنفسهن, فتبرز منهن مواهب يفرزها العمل وتصهرها الحركة، وتنضجها التجربة والكفاح، وتتعلم من مدرسة الحياة والممارسة بما فيها من خطأ وصواب.
كما أن الأخوات المسلمات لا يعفين من بعض التبعة, فقد استسلمن لهذا الوضع, ورضين بحياة الدعة والسكونـ وأن يفكر لهن الرجال بدل ن يفكرن لأنفسهن, وينبغي أن يأخذن زمام المبادرة، ويفتحن ميادين الدعوة والعمل، ويخرسن الأصوات النسويّة الغريبة الدخيلة على عقائد هذه الأمة وقيمها وشرائعها, وهي أصوات عالية, وإن لم تمثل إلا قلة مسحوقة لا وزن لها في دين ولا دنيا؟. حضرت في العام الماضي في حي جامعي للطالبات في الجزائر العاصمة لإلقاء محاضرة عليهن, وفتح باب الحوار- كما هي العادة - والرد على ما يقدمنه

-من اسئلة تحريرية وشفهية، وكان بعض الشباب حاضراً فبدأ هو يتلقى الأسئلة ويفرزها، فيأخذ منها ويدع، فقلت معترضا: لماذا لا تقوم بها إحدى الطالبات: نيابة عن زميلاتها؟ لماذا (تحشرون ) أنفسكم أيها الرجال في أمر النساء؟ ارفعوا أيديكم عن الأخوات, ودعوهن يتصرفن كما يحلوا لهن، يستقبلن الأسئلة ويخترن منها المناسب في تقديرهن, و تقوم إحداهن بقراءتها.
وكأني بهذه الكلمة أزحت هماً ثقيلا عن صدور الفتيات المؤمنات فتنفسن الصعداء, و تقدمت إحداهن لتقوم بالدور الذي كان يقوم به أحد الإخوة المرافقين لي.
وقد حدث مثل هذا في شتاء هذا العام في مدينة مانشستر في بريطانيا حيث عقد مؤتمر الطلبة المسلمين هناك, فقد كانت لي محاضرة للأخوات, وأسئلة بعد المحاضرة ، تولى استقبالها وفرزها وتنظيمها أحد الشباب الطيبين, ولكني قلت للأخ بصراحة: إن وجودك هنا لا مبرر له, وكان الأولى أن تقوم إحدى الأخوات بهذا الأمر،وهن أحق به وأولى، ولكن الأخ الصالح قال: لم نه مكلف بهذا العمل حسب النظام, ولا يستطيع التخلي عنه, وهو معذور حقا. وشيء آخر شكا إليّ منه كثير من الأخوات في مصر وفي الجزائر, وهو أن الأخت الداعية النشيطة المتحركة, قبل الزواج, بعد أن تتزوج أخاًُ ملتزما ممن عرفته عن طريق الدعوة , يفرض عليها العزلة، ويمسكها في البيت, ويحرمها من المشاركة في الحركة, ويطفىء تلك الشعلة التي كانت تضيء الطريق لبنات الإسلام. حتى كتبت إلي فتاة جزائرية تعمل في حقل الدعوة, تسألني: هل يحرم عليها أن تضرب عن الزواج وترفضه من حيث المبدأ, حتى لا ينتهي بها الأمر، كما انتهى بأخوات لها، إلى حياة الخمود والكسل والبعد عن ميدان الحركة والعمل, في حين تعمل الشيوعيات والعلمانيات والمنحلات ؟ !

اعتراض وجوابه: سيقول المتشددون: كيف تطلبون من المرأة المسلمة أن يكون لها دور بارز في الحركة الإسلامية, وأن تتحرك وتقود وتثبت وجودها في موكب العمل الإسلامي الزاحف؟ وهي مأمورة بالقرار في بيتها بنص القرآن الكريم:( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) (الأحزاب : 33). وجوابي لهؤلاء الإخوة الغيورين: أن ا'ية خطاب لنساء النبي, وهؤلاء لهن من الخصوصية ما ليس لغيرهن، وعليهن من التغليظ ما ليس على سائر النساء, وقد قال تعالى في خطابهن: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) (الأحزاب : 72). ومع هذا لم تمنع هذه الآية عائشة أم المؤمنين من الخروج في معركة الجمل، تطالب بما تعتقده حقا في شؤون السياسة، ومعها من كبار الصحابة رجلان رشحا لخلافة، وهما من العشرة المبشرين بالجنة. وما روي من ندمها على هذا الموقف, فليس لأن خروجها من بيتها لم يكن مشروعا, بل لأن رأيها في السياسة جانبه التوفيق, غفر الله لها ورضي عنها.
على أننا لو أخذنا بري من يقول: إ ن الآية لعموم النساء, فإنها لا تعني لم إمساكهن في البيوت لا يخرجن منها, فإن هذا الإمساك ذكره القرآن عقوبة لمن ترتكب الفاحشة، ويشهد عليها الشهود الأربعة، وذلك قبل استقرار التشريع على الحد المذكور في القرآن والسنة، قال تعالى:( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً)(النساء: 15). ثم إن قوله تعالى في الآية: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) يدل على مشروعية الخروج المحتشم غير المتبرج, فالمرأة لا تنهى عن التبرج داخل بيتها، فإن لها أن تلبس وتتزين فيه ما شاءت. إنما تنهى عنه إذا خرجت لم إلى الطريق و السوق و غير ذلك مما هو مظنة التبرج


بقلم الدكتور 
يوسف القرضاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق