المشاركات الشائعة

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

العلاقة بين (وحدة الوجود) وحقيقة العالم وقدمه والاتحاد والحلول




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فلما اطلعت على بعض الكتب خطر ببالي أن أكتب ملاحظات تدور على بعض ما أثير فيها، وأحببت أن أطلع الإخوة القراء المهتمين على ذلك لأهمية الموضوع وخطورته.
وقد جردت الكلام من الأسماء لدفع أسباب الحساسية المفرطة التي يتصف بها بعض الخائضين في هذه المعاني، ومبادرتهم إلى الاتهام بالقدح والطعن في الأكابر والأولياء، مع أن مقتضى الحال يوجب عليهم التأني لدقته وما يزعمونه من الاختصاص.
قدم العالم
كيف يمكن أن يقول بقدم العالم من يقول: لا وجود إلا للحق المعبود، فإن من ينفي وجود غير الله تعالى لا يمكن أن يثبت قدم العالم بالمعنى الذي نفهمه من القدم، فإن قدم العالم في عرفنا، معناه: "أن يكون العالم موجودا بوجود غير وجود الله تعالى، وأن يكون لا بداية له"، وهذا محال عند القائل بلا وجود إلا لله تعالى.
فالعالم الذي نراه –إذن- ما هو إلا مظاهر –هي في حقيقتها نِسَبٌ- تتجلى بها الذات الذي ثبت له الوجود الأزلي، بل هي محض الوجود المطلق غير المقيد. فإذا كان العالم كذلك، فلا أكثر من أن يقال: إن واجب الوجود لم يزل يتجلى بمظاهر العالم وصوره، أو بأحكامه، إما بعلمه أو بذاته، بحيث تكون هذه المظاهر عين النسبة، لا بأن تكون شيئا منسوبا إلى الذات، إذ لا ذات إلا ذات الحق، ولا ذات للعالم، بل يمكن أن يقال: إنّ ذاته هي نسبة وتجلٍّ ومظهر.
وعليه يقال أيضاً: أعيان الممكنات ثابتة في علم الواجب، أزلا، ولا تزال أبداً، ولا يعطيها الواجب إلا نسبة إلى الوجود، أي لا يعطيها إلا الصفة لا حقيقة الوجود، إذ الوجود غير مجعول لانحصاره فيه، والنسبة لا تقوم إلا بمنسوب إليه، ولا بد أن يكون قائما بذاته وإلا بطل الكلّ، ولا قائم بذاته إلا الذات الواجب الوجود.
والله تعالى عالم بالموجودات الحادثة بعلمه الأزلي عند أهل الحقّ، فلها تميز بحسب علم الله تعالى بها، وعندما نقول إن الله تعالى عالم بها، أي يميزها بحسب ما ستكون عليه، وتخصيص هذه المكوَّنات بإرادته جل وعزَّ لا بسبق إيجاب ولا ثبوت، ويدركها كذلك، وإيجاد هذه المخلوقات عند أهل الحقِّ لا يكون بإيجادها في العلم، فالعلم أزلي ليس محل تخصيص وجعل، بل بأن يوجدها في نفس الأمر، وهو المعبر عنه بالخارج، لا بأن تكون ثابتة في علم العالم فقط، والقائل بذلك يُكَثِّرُ الوجودَ، ويقسِّمُه إلى واجب وممكن، وذات الواجب وحقيقته غير ذات الممكن وحقيقته، لا يشتركان إلا في بعض الأحكام الاعتبارية التي لا تستلزم التشريك بين الحقائق ولا تغيرها عند ذوي التحقيق، فلا تنسب لشيء منها ما ليس له، فشتان ما بينهما شتان.
وهل يصح أن يقال إن للموجودات قدما بحسب علم الله تعالى؟ إن الذي أراه أصحَّ في التعبير والنظر أن يقال: إنّ الله تعالى عالم بها أزلا، أما هي في نفسها فلا قيام لها في علم الله تعالى حتى ينسب إليها القدم بحسب هذا الاعتبار، بل الثابت علم الله تعالى بها، فالقديم هو العلم لا الموجود الذي يقال عليه معلوم. ولو كان كما يفترض؛ لكان للمُحال أيضا قدمٌ في علم الله تعالى، ولكان كل شيء مستويا مع غيره بهذا الاعتبار، فلا فرق بين شيء وآخر بحسبه. وفرقٌ بين المعلومية الثابتة للموجودات وبينَها نفسِها، فلا يقال: إذا كانت المعلوميةُ ثابتةً أزلاً، أنَّ الموجودية ثابتة أزلاً، فالعلم يتعلق بالموجود والمعدوم، والممكن والمحال فضلا عن الواجب الذي لا يزال، ولا يشترط لعلم الله تعالى وجود المعلوم، فلا يلزم حدوث علمه لحدوث وجود معلومه أو موجوديته، كما يزعم! ومن ظنّ أن علم الخلق لا يكون إلا تابعا للمعلوم بمعنى أنه لا يكون إلا تابعا لوجود المعلوم في رتبة ما، أما علم الله تعالى فلا يكون إلا مساويا للمعلوم، فقد أبعد، ووقع في الإشكال! فإن بعض معلومات المخلوقات تكون محالة، وبعضها غير ثابتة في الوجود أصلا، فالمخلوق قد يعلم بعض ما لم يحصل بعد بالاستدلال عليه ببعض مقدماته التي حصلت، فالفارق بين علم الله تعالى وبين علم المخلوق ليس في التبعية إذن، ولا في المساواة، كما يزعم، بل إن علم الله تعالى أزلي قديم لا أول له كما قرره أهل الحق، وعلم المخلوقات حادث يكون بالضرورة أو بأسباب ووسائل بخلاف علم الحق تعالى، فإنهما يختلفان في الحقيقة كاختلاف واجب الوجود عن ممكنه مع اشتراكهما في وصف الموجودية وثبوت الوجود، أما التبعية والمساواة ففيها نظر وأي نظر.
ومن أين يلزم كفر من يقول إن علم الله تعالى تابع للمعلوم بمعنى أنه تابع لحقيقة المعلوم المنكشفة لله تعالى أزلاً، لا تابع لوجوده، حتى يلزم الحدث والتغير المحالان على الواجب، أي يكشف عنها بحسب ما هي في نفسها، لأنه لو كان غير ذلك لكان جهلا. فمن توهم كفر القائل بذلك فقد جهل مقصده أو حرَّفه عن موضعه.
ثم كيف يُتوهم أنَّ القائل بأن الله تعالى عالم بجميع المعلومات، وأنَّ علمه تعالى قبل المعلومات، يلزمه تقدم ذاته على المعلومات! حتى يشنَّع عليه بأن يقال: بأنه قليل الأدب! وهلا تأنى من اندفع وراء وهمه فشنع على غيره إلى أن يفهم قولهم على حقيقته، ويعلم أن المراد بالمعلومات أي: ما تعلق علم الله تعالى بها وكشف عنها، وليس هي عندهم عين العلوم القائمة بعلم الله تعالى، أو التي يسميها بالأعيان الثابتة من الصور والتجليات العلمية، فهي عندهم: كون الله تعالى عالما أزلاً، أو عين التعلق والانكشاف لله تعالى، فهي التعلق التنجيزي للعلم الإلهيّ القديم. وكيف يقال "إنَّ من أطلق القبلَ والبعدَ على الله تعالى فهو قليل أدب مع الله تعالى"! وقد ورد في أحاديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام:"كان الله قبل كل شيء"، وورد في الصحاح "كان الله ولم يكن شيء غيره"، مع أنه يكفي {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ}[الحديد3]، وقد وردتْ نصوص كثيرة تفيد هذا المعنى الجليل، فهل يصحُّ عند صاحب ذوق إطلاق قلة الأدب على العموم هكذا بحيث تشمل ما ورد عن صاحب الشريعة! وإن زعم أن ذلك يُدخل الحق تعالى تحت حكم الزمان فيكون ظرفاً له تعالى، فهو واهم منساق وراء غفلته، وهيهات أن يكون ذلك نتيجة الكشف المبين.
ولو عدنا إلى من قال إن الوجود واحد، لعرفنا أنه يفسر العالم المشاهد بأنه تجليات ونسب إلى ذلك الوجود، قد يعبر عنها بالأحكام أو بغير ذلك مما لا يدل  على ذوات قائمة في أنفسها بإقامة الله تعالى لها، إذ إنه قد يعدُّ ذلك كفراً وشركاً، لأن التوحيد الحق عنده توحيد الوجود الحق الثابت في نفس الأمر، لا توحيد الشهود مع اعتقاد التغاير بين الوجود الحادث والقديم كما يقرره أهل الحق. فخَلْقُ الله تعالى عندهم معناه أنه يوجد أمرا لم يكن موجودا، وذلك بحسب علمه الأزلي الذي لا يتغير، وليس معناه أنه يوجد المعدوم بأن يمنحه وصف الموجودية لمجرد انتسابه إلى الوجود الواحد.
ثم إن هذه التجليات المنسوبة للوجود الأحد المطلق إما أن تكون أزلية الشخص، أو النوع، فلا قائل من أهل الإسلام بأزلية شخص بعض التجليات (وسواء سموها تجليات أو مخلوقات او موجودات خارجية) فقد اتفق أهل الإسلام على عدم أزلية شخص المخلوق، فلزم إذن القول إما بتجرد الذات أزلا، وعدم تجليها بأحكام الممكنات أبداً، أو أنها لم تزل متجلية بأحكامها ظاهرة بهذه المظاهر لأجل الكرم واللطف والرحمة ! وهو عين القدم النوعي الخارجي إلا أنَّه قِدَمٌ نوعيٌّ صُوَريٌّ!
ومَنْ لم يفرق بين قول الفلاسفة بأزلية العالم أو مادته لكون الواجب عندهم علة له، وبين قول الأشاعرة إن علم الله تعالى أزلي، وما علمه الله تعالى لا بد أنه يوجد كما يعلم، فقد أغفل الفارق الأهمّ بين الفريقين أو تغافل عنه، وهو أن الإيجاب في الثانية بالاختيار وبالأولى لا بعلم ولا اختيار بل بالعلة. ولذلك فإن الأشاعرة يصرحون بأن الله تعالى لو لم يُرِد إيجادَ العالم من الأصل لكان ذلك مقدوراً، وأما المتفلسفة ومن تبعهم فيقولون –لنفيهم الاختيار- إن وجود العالم لا بدَّ حاصل وإنه لا تعلق بقدرة الإله واختياره –على فرض إثباتهم إياها- به، فسبحان الله تعالى! كيف لم يفرق من لم يفرق بين القولين فجمع بين الفريقين، ولم يكشف له عن هذا الفرق الجلي الواضح وكان ينبغي أن ينكشف له بلا كسب ونظرٍ أصلا....!
ثم إنّ العلم ليس هو عند أهل الحق علةَ الإيجاب ولا علة الإيجاد، بل العلم شرط الإيجاد والعلة -إن أطلقوا العلية عليها- إنما هو التعلق التنجيزي للقدرة لا مجرد العلم الأزلي حتى يقال لا فرق بين المتفلسفة والأشاعرة إذ يلزمهما كليهما القولُ بقدم العالم بحجة أنَّ العلة لا تتقدم على معلولها إلا بالرتبة!
ولا يُسْتَغْرَبُ أن يبني بعضُهم على موجودية الممكنات في العلم القديم بالمعنى الذي أشرنا إلى رده حقيقةَ توجه خطاب (كن) إليه، فلذلك يخْرُجُ -عند القائل بذلك- بأن يظهَرَ لا بأن يوجد، وذلك بعد أن كان ثابتا في العلم ولذلك توجه الخطاب إليه، ولو لم يكن ثابتا في العلم لما صح توجيه ذلك الخطاب حقيقة! ولا يخفى أن هذا من الكلام الضعيف الركيك، فإنَّ أهل السنة صرحوا بأن المراد من الآية التمثيل والكناية عن عدم تخلف المقدور عند إرادة خلقه وإيجاده، وأن الإيجاد يكون بالقدرة لا بنفس الكلام الأزلي. وضعَّفوا قول من مال إلى نحو ذلك وإن كان منقولاً عن الأعلام فضلا عن المشايخ العظام، ولا عبرة بالكشف المخالف للدليل الظاهر. فإنْ توهَّم متوهِّمٌ حجيَّتَه –فإن سُلِّمَ- فإنما للقائل به المنكشف له، ثم لا يجوز تقليده لغيره، ولا يجوز لصاحبه مخالفة ظاهر الشريعة به لأن الاعتماد إنما هو على الأدلة الشرعية وعلى أدلة أهل الحق وعقائدهم الراسخة الموضحة في كتب التوحيد. وغاية ما يقال في نحو هذا الكشف أن صاحبه سكران والسكران –المضطرّ إلى سكره- يُرفع عنه إثمُ ما يفعله في سكره أو لسكره، ولا يرفع عنه الأحكام الوضعية تعويضا عما كسره أو أتلفه ونحو ذلك، ويطالب أصحابه بأن لا يشجعوه على ما يفعل، ويؤمرون بأنْ لا يوافقوه فيما فعله في سكره وهم غير سكارى مثله، ولم يضطروا إلى ما اضطر إليه، ويُمْنَعون من أن يوافقوه على ما يصدر عنه مما يخالف أحكام الشريعة الظاهرة، فإن الاجتهاد الذي يسوغ التقليد ويرفع إثمه عن المقلد، هو الاجتهاد الظاهر من المجتهد المعتبر بالنظر المرسوم قواعده في الشريعة، لا بالكشف الباطن فهو ليس بحجة عند أهل الحقّ. ولو كان نزاعهم مع غيرهم في معذريته لوفَّوا ووصلوا إلى القصد المباح، ولكن أنْ يُلزموا الناس باتباعه أو عدم التحذير من أقواله فضلا عن مدحها والحضّ عليها فلا يقول به متشرع.
الحلول والاتحاد
كيف يمكن أن يقول صاحب القول بأن لا وجود إلا للواجب، وما سواه مظاهر وتجليات له، بالاتحاد والحلول وهما فرعا الكثرة في الوجود، وهو ينفيها من أصلها؟!
فلا فائدة بعد ذلك في تنزيه من قال بالوحدة عن القول بالاتحاد والحلول لاستحالة قوله بهما، فالأمر ليس في هذين بل فيما يصرح به مما يعزوه بعضهم  إلى السكر والوجد أو الدسّ أو عدم الفهم والوهم بحجة الولاية والعبادة التي وصل في مراتب العبودية فيها إلى درجة لم يتفوق عليه أحد من أهل عصره وإن كان وصل إليها أو شاركه فيها. والنزاع ليس في عبوديته ولا في عبادته ولا في صدقه ولا همته ولا غير ذلك مما يقال في هذا الباب ويدرج إدراجا لا فائدة منه في فصل الخطاب، فإن العاقل لا ينازع الناسَ مراتبَهم عند الله تعالى،  إلا أنه قد تقرر أنَّ الولاية لا تستلزم عدم الخطأ ولا العصمةَ لأن ذلك كله مضمون للأنبياء فقط، وأما الحفظ فهو مع حفظ الله تعالى، وهو في حفظ ظاهر  الشريعة وما قرره أهل الحق من علماء الأمة، الذين يسمهم الواسمون بالظاهرية والجمود أو الحجب، وفي هذا يكون النزال! وقد نصَّ أكابر الصوفية وخصوصاً السادة النقشبندية منهم على أن الكشف يمكن أن يخالطه الوهم أو غيره فيكون مثار الخطأ وبخاصة إذا كان غير موافق في ظاهره لما قرره أكابر أهل السنة من عقائد بالأدلة الظاهرة والشريعة الطاهرة.
والله الموفق وعليه التكلان والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير من أرسله رحمة للخلق أجمعين. 

كتبه الفقير إلى الله تعالى في كل حال
سعيد فودة
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

نقلته بحروفه عن منتديات الأصلين التي يشرف عليها شيخنا الشيخ سعيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق